الأمم المتحدة تخفّض قوات حفظ السلام في العالم 25 بالمئة بسبب نقص التمويل
الأمم المتحدة تخفّض قوات حفظ السلام في العالم 25 بالمئة بسبب نقص التمويل
أعلنت الأمم المتحدة أنها ستضطر إلى خفض عدد قوات حفظ السلام في العالم بنسبة 25 بالمئة خلال الأشهر المقبلة، وهو يعادل ما بين 13 ألفاً و14 ألفاً من العسكريين والشرطيين، بسبب أزمة تمويل حادة ناجمة بالدرجة الأولى عن تقليص الإسهامات الأمريكية في ميزانية المنظمة الدولية.
وقال مسؤول أممي رفيع، بحسب ما أوردته فرانس برس الأربعاء، إن المنظمة تواجه ضغوطاً مالية غير مسبوقة ستجبرها على إعادة آلاف العناصر من قوات حفظ السلام إلى بلدانهم وتقليص عدد العسكريين والشرطيين والمعدات في معظم بعثاتها، وأضاف أن "عدداً كبيراً من الموظفين المدنيين في البعثات الأممية سيتأثرون أيضاً بهذه التخفيضات".
خفض التمويل الأمريكي يفاقم الأزمة
وأوضح المسؤول أن الولايات المتحدة كان من المتوقع أن تسهم بمبلغ 1.3 مليار دولار ضمن ميزانية عمليات حفظ السلام التي تبلغ 5.4 مليارات دولار للفترة 2025-2026. إلا أن واشنطن أبلغت الأمم المتحدة أنها ستدفع نصف المبلغ فقط، أي ما يعادل 682 مليون دولار.
ويتضمن هذا المبلغ 85 مليون دولار مخصصة لمهمة دولية جديدة لمكافحة العصابات في هايتي، وهي بعثة لم تكن مدرجة في الميزانية الأصلية.
وأشار المصدر إلى أن الصين ستكون ثاني أكبر المسهمين بمبلغ 1.2 مليار دولار، في حين لم تُعلن بعد دول أخرى عن أي زيادة في إساهماتها لتعويض العجز الناجم عن الاقتطاعات الأمريكية.
تأثيرات مباشرة في الأمن والسلام العالمي
وحذر المسؤول الأممي من أن هذا الخفض الكبير ستكون له عواقب مباشرة على عمل البعثات الميدانية، خصوصاً ما يتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين والتنسيق مع الطواقم الإنسانية، إضافة إلى أنشطة أساسية أخرى لحفظ الاستقرار في مناطق النزاع.
وأوضح أن تقليص القوات سيشمل تسع بعثات من أصل إحدى عشرة بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة حول العالم، في حين لن تتأثر بعثتان اثنتان فقط لأن عديدهما محدود وتمويلهما يتم من موازنات أخرى.
مهام حفظ السلام المهددة بالتقلص
تنتشر بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مناطق تشهد نزاعات طويلة ومعقدة، أبرزها شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ولبنان وجمهورية إفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان والصحراء الغربية، وتعمل هذه البعثات على مراقبة الهدن، وحماية المدنيين، والمساعدة في إعادة بناء مؤسسات الدولة ودعم المصالحة الوطنية.
وقال المسؤول الأممي إن "تخفيض عديد القوات والمعدات سيؤثر بشكل حتمي في قدرة الأمم المتحدة على أداء مهامها الحيوية في تلك المناطق"، مضيفاً أن المنظمة "تحاول التخفيف من آثار العجز المالي عبر إعادة توزيع الموارد وتعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين".
سياسة واشنطن وتأثيرها في التمويل الدولي
ويأتي قرار تقليص الإسهامات الأمريكية في إطار سياسة الرئيس دونالد ترامب الذي أعاد إلى الواجهة نهجاً يقوم على تقليص المساعدات الخارجية والإنفاق الدولي، والتركيز على أولويات الأمن القومي والاقتصاد الداخلي للولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يضع الأمم المتحدة أمام تحديات غير مسبوقة في تمويل عملياتها حول العالم، خصوصاً في ظل زيادة عدد الأزمات والنزاعات الممتدة التي تتطلب وجوداً ميدانياً طويل الأمد.
تعد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من أبرز أدوات المجتمع الدولي في حفظ الأمن والاستقرار في مناطق النزاع منذ تأسيس أول بعثة عام 1948، وتضم هذه القوات حالياً أكثر من خمسين ألف عسكري وشرطي ومدني ينتشرون في إحدى عشرة بعثة حول العالم.
وتعتمد عمليات حفظ السلام على إسهامات الدول الأعضاء المالية والعسكرية، وتواجه منذ سنوات ضغوطاً مالية متزايدة بسبب تراجع الدعم من بعض الدول الكبرى. كما تتعرض لانتقادات متكررة تتعلق بقدرتها على حماية المدنيين وفعالية تدخلها في النزاعات المعقدة.
ورغم التحديات، تؤكد الأمم المتحدة أن هذه البعثات تظل ركيزة أساسية في جهودها لمنع الحروب وحماية الأرواح، وأن استمرار تمويلها يمثل استثماراً في الأمن الدولي والاستقرار الإقليمي.











